بينما ينام العالم -سوزان أبو الهوى

إن لحظة واحدة لَيُمكنُها أن تسحق دماغاً وتُغير مجرى الحياة، مسار التاريخ

تملكتني رغبة غريبة في أن أكون سمكة؛ يمكنني العيش في عالم الماء الهادىء، حيث لا تسمع صرخات ولا أصوات اطلاق نار، وحيث لا تُشم رائحة الموت

يمكننى شرح ذلك , و لكن قد ينكسر الزجاج الذى يغطى قلبك ولا شئ يصلح ذلك

لقد وُلدتِ لاجئة، ولكن أعدكِ بأني سوف أموت إذا كان لابُد لي من ذلك حتى لا تموتي وأنتِ لاجئة.

ما أعجب الأشياء التي نفكر فيها في تلك المساحة بين الحياة و الموت 

في يوم ما، سوف أفقد كل شيء وكل أحد

“قال لي والدي ذات مرة: ” لقد سمّيناك آمال بالألف الممدودة؛ لأن الاسم بالهمزة يعني أملا واحدا فقط،أمنية واحدة،أنتِ أكثر من ذلك بكثير! وضعنا كل آمالنا فيكِ! آمال،بالألف الممدودة،تعني:الآمال، الأحلام،كثيرا منها “.”

لكن لا بد للقلب أن يحزن. كان الألم يظهر أحياناً في شكل فرح

تحت غطاء رقيق من اللامبالاة، كان هناك شوق مؤلم إلى الحياة يغلي في أعماقه

و حاولت أن أشعر بالحزن الذي يتدفِّق قبل لحظات، لكن بلا جدوى، و كأنَّ قضبان سجن أحاطت بعواطفي

في محنة تاريخ دُفن حيّاً، سقط العام 1948 في فلسطين من الرُزنامة إلى المنفى، متوقفّاً عن حساب العدّ السائر للأيام والشهور والسنوات، ليصبح بدلاً من ذلك ضباباً لا نهاية له! 

 كيف يمكن ألا يستطيع الإنسان أن يسير إلى ملكه الخاص؟ أن يزور قبر زوجته؟ أن يأكل ثمار أربعين جيلاً من كدح أسلافه من دون أن يعاقب بالموت رمياً بالرصاص؟ على نحو ما، لم يكن هذا السؤال الفجّ القاسي قد نفذ سابقاً إلي وعي اللاجئين الذين شوشتهم أبدية الانتظار، معلقين آمالهم على قرارات دولية نظرية. 

  وكأن مجرد الكلام سيؤكد الحقيقة المرة، وكأن الصمت يحمل احتمال أن يكون كل ذلك مجرد كابوس.  

  لا أحد يتكلم، وكأن الكلام مجرَّد الكلام سيؤكَّد الحقيقة المُرَّة، وكأن الصمت يحمل احتمال أن يكون كل ذلك مجرَّد كابوس  

رابطتُنا كانت فلسطين، وكانت لغة قمنا بتفكيكها لنشيَّد وطناً

  الأنغام الموسيقية الناعمة للغة العربية رقصت في داخلي حالما سمعت أصوات لغة أمي 

  كان الهدوء بغيضاً، مجرداً من العضب أو الحب أو اليأس، حتى من الخوف.  

  إذا فرض علينا أن نكون لاجئين، فلن نعيش كالكلاب  

 وأنا بين ذراعيه، كدت ألمس أنفاسي وهي تتدافع في الدخول والخروج، لم يسبق لي أن شعرت بالحياة على هذا النحو، لم أكن شاكرة قط إلى هذه الدرجة لمجرد كوني على قيد الحياة

  جئت من لغة تجعل من التعبير عن الشكر لغة قائمة بذاتها  

  استغرب كيف تتحول الأشياء الضعيفة، حتى الكلمات إلى أشياء شريرة، من دون رحمة، من أجل بلوغ السلطة على الرغم من المنطق والتاريخ 

  الأرض وكل ماعليها ،يمكن أن تسلب، ولكن لا أحد يمكنه أن يأخذ منك معرفتك أو الشهادات التي تحصلين عليها !  

  في وصف القدس: لقد غزيت, و نُهبت, و مُحيت, و أُعُيد بناؤها مراراً, كأنَ حجارتها تمتلك الحياة التي منحتها إياها دروب من الصلاة و الدم. إنها تبثَ في داخلي إحساسًا بأنها ليست غريبة عني و لا أنا غريبة عنها, ذلك اليقين الفلسطيني الثابت اللذي لا يقبل الجدل, على أنني أنتمي إلى هذه الأرض. أنا ابنة الأرض, و القدس تؤكد طمأنينتي إلى هذا اللقب غير القابل للتصرف, أكثر بكثير من كلَ سندات الملكية المصفرَة, و سجلات الأراضي العثمانية, و المفاتيح الحديدية لمنازلنا المسروقة, أو قرارات الأمم المتحدة, و المراسيم الصادرة عن القوى العظمى  

  كيف يمكن ألا يستطيع الإنسان أن يسير إلى ملكه الخاص ؟ أن يزور قبر زوجته ؟ أن يأكل ثمار أربعين جيلا من كدح أسلافه من دون أن يعاقب بالموت رميًا بالرصاص ؟